من خلال تمكين المعلمين والمدربين بالمعرفة والمهارات الجديدة، سيحدث تغيير في المواقف والسلوكيات ينعكس لاحقًا في طريقة تدريسهم. يمكن للمعلمين والمدربين كنماذج يُحتذى بها في المجتمع مساعدة طلابهم على بناء المرونة الداخلية، التي تضمن لهم المهارات والكفاءات الحياتية الأساسية، ومن ثم تحسين رفاه الشباب وإمكانياتهم المستقبلية.
تطوير الذات
تُوضع البرامج والأدلة التدريبية لغايات واضحة وموجهة، تستهدف تنمية وتطوير أساليب التدريس ومهارات التواصل بين المعلم والطالب وتقدم تصورا للبيئة التعليمية المثالية، ويتأتى هذا التركيز على المعلم انطلاقًا من أهمية ومحورية دوره باعتباره موجِّهاً للعملية التعليمية، وشارحًا للمادة العلمية، ومسيرًا للغرفة الصفية، وصاحب الاحتكاك والتواصل الأكبر مع الطالب الذي يمثل الغاية النهائية من أي تنمية منشودة أو تغير نحو الأفضل. تأتي هذه الأدلة منسجمة مع النظريات العلمية والتربوية التجريبية المعتمدة، والتي ترنو النهوض بالطالب وزيادة تحصيله المعرفي واللغوي، ورفد خبرته الحياتية وتجربته الإنسانية لما فيه خيره وخير مجتمعه، الأمر الذي يؤهله لمواكبة مفاهيم عصره وتطوره.
لا يغيب عن أذهاننا أن أي محتوى تعليمي مهما بلغ من الأهمية لا يمكن أن يحقق أهدافه المرجوة منه دون وسيط ينقله من نص مكتوب إلى كلمات حية، والوسيط هنا هو المعلم الذي يحرر النص من جمود الكتابة إلى رحابة الفعل، لهذا فإن الدعوة اليوم للمعلم أن يكون منفتحا وقابلًا للتعلم المستمر، ولديه من الانفتاح العقلي ما يؤهله لمواكبة مفاهيم العصر واستلهام القيمة العلمية والتعليمية والتربوية والأخلاقية في هذه المفاهيم كي يستطيع بعد ذلك أن ينقل هذا كله للطالب، لكن في المقام الأول الدعوة للمعلم لعيش هذه المفاهيم على الصعيد الذاتي وليس نقله فقط في جانبه النظري المتمثل بالمناهج التعليمية والتدريس التقليدي، وإنما الحاجة للالتفات للجانب السلوكي أو العملي. الحاجة إلى أن نعيش هذه المفاهيم وتكريسها في سلوكنا اليومي والعملي مع الآخرين، فيكون المعلم مثالًا حيًا متحركا يُحتذي به، ويمارس دوره التعليمي والتنويري ليس فقط داخل الغرفة الصفية وإنما في المجتمع أجمع.
علينا ان نتيقن أن أي تطوير في الأدوات أو المناهج والأدلة، دون أن يرافقه تطويرٌ للذات على الصعيد الشخصي، لا يمكن أن يُحقق الغاية المرجوة منه، ذلك أن الصدق والانسجام الذاتي من طرف المُعلم سينعكس على صدق وجودة التعليم والمُتعلم، وسيشكل علامة فارقة في تجربة الطالب التعليمية وما سينبثق عنها لاحقا على الصعيد العملي في حياة الطالب وبالتالي في المجتمع ومستقبل الأوطان.
التعليم رسالة
رسالة المعلم هي رسالة سامية وأمانة عظيمة تقدرها جميع الأمم والشعوب على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها ، فالمعلم يتعامل مع الانسان الذي كرمه الله وجعله مؤتمنا على الارض. وتشتمل رسالة المعلم على تكوين العقول وتهذيب الأخلاق وبناء القيم الإنسانية والشخصية السوية. وهي رسالة إنسانية تهدف الى تكوين أجيال قادرة على التعبير عن ذاتها وخدمة مجتمعاتها والإسهام في تقدمها وازدهارها.
وتحترم رسالة التعليم تعدد الثقافات والأديان والأعراق، وتسعى إلى بناء مجتمع متماسك ومتراحم وقادر على إعداد مواطنين فاعلين ينتمون لوطنهم ويساهمون في تقدم الحضارة الإنسانية.
وتنبع رسالة المعلم من إيمانه برسالته وإخلاصه في عمله وتخلقه بأخلاقيات مهنته، وبذل جهده وعطائه المستمر لنشر العلم والفضيلة في مجتمعه. كما تتطلب رسالة التعليم أن يكون المعلم صاحب نظرة قويمة تجاه قضايا مجتمعه ومشكلاته. وعلى المعلم أن يتابع نموه المعرفي وينفتح على كل جديد في مجال تخصصه.
إن إيمان المعلم بعظم رسالته، هو مصدر قوته الذي يستلهم منه الإصرار على مواصلة العمل على أداء مهمته والنجاح فيها. فالمعلم المؤمن برسالته لا يربط بين جهده وعطائه وبين ما يحصل عليه من مردود مادي أو معنوي.
يتجاوز التعليم بمعناه العميق عملية نقل المعرفة وحفظها إلى تنمية روح التعلّم والتفكير الحر والناقد وتحفيز العقول وإثارة التساؤلات للبحث عن إجابات وتساؤلات جديدة.
ولا تقتصر رسالة المعلم على التعليم، بل تتعدى ذلك إلى دائرة التربية الأخلاقية والروحية، والتعليم بمعناه الواسع الذي يشمل جميع جوانب العملية التربوية. ويتطلب ذلك غرس القيم وتوجيه الطلاب وإرشادهم وتقديم النصح لهم بإخلاص ومحبة واحترام.